السبت، 19 أكتوبر 2019

عرض لكتابي (فضاءات النص) بقلم آ. حاتم الجديبا




فاعليّة النظرية النقديّة وحيويّتها في النَّصِّ الأدبيِّ

بقلم: حاتم الجديبا*
أولًا/ مدخل إلى الكتاب:
يعدّ كتاب: «فضاءات النص (مقاربات نقدية في شعرية النص الأدبي)، للدكتورة نوال بنت ناصر السويلم، منشورات نادي المنطقة الشرقية، في عام ١٤٣٧هـ، كتابًا نقديًّا يحمل قسماتٍ من الفلسفة، ويشتغل على موضوع النصِّ الأدبيّ وقراءته من منظور نقديٍّ تطبيقيٍّ، لا نظريٍّ فلسفيٍّ مجرّدٍ؛ لكي يَتَتَبَّعَ جماليّات النص الأدبي المُختار للدراسة بعناية.
وهذا الكتاب يوضّح الآليّات النقدية وعملها في النص الأدبي، وذلك بتطبيق قانونٍ نقديٍّ/نظرية نقدية على نصٍّ أدبيٍّ معيّنٍ – كما ذكرت المؤلفة -؛ من أجل:
أ- بيان فاعلية القانون النقديِّ، واستجابته للعمل داخل النصِّ؛ حتى تتّضح – حسب منظوري – حيويّة القوانين النقدية عمومًا، وحركيّتها، واختبار عمليّتها في أجساد النصوص الأدبية.
ب- سبر أغوار النصِّ الجماليّة من منظور القانون النقديِّ المُطَبَّقِ عليه؛ حيث إنَّ لكلِّ قانون نقديٍّ زاويته النقدية الخاصة به، وأدواته الكاشفة عن مواطن الجمال في النصوص الأدبية.
ثانيًا/ مباحث الكتاب:
جاء الكتاب مقسّمًا إلى أربعة مباحث، على النحو التالي:
1- المبحث الأول: دراسة قانون الانزياح، وفيه:
– الانزياح بوصفه مظهرًا من مظاهر الشعرية في النصّ الأدبي، ونظرية من نظريات التحليل الأسلوبي.
– تعريف الانزياح لغويًّا ونقديًّا.
– وظيفة الانزياح.
– أقسام الانزياح.
– معياريّة الانزياح.
– تطبيق قانون الانزياح ومظاهره على ديوان “وحدها تخطو على الماء” لإبراهيم الوافي.
2- المبحث الثاني: شعرية المصطلح النحوي في القصيدة الحديثة، وفيه:
– تعريف المصطلح النحوي.
– توظيف المصطلح النحوي في المتن الشعري.
– آراء النقّاد حول حضور المصطلح النحوي في القصيدة الشعرية.
– استخدام المصطلح النحوي في القصيدة كملمح من ملامح الشعرية.
– دراسة المصطلح النحوي بقيمته الفنية والشعرية الواردة في مقطوعات شعرية متنوعة، عند يحيى السماوي، وإبراهيم صعابي، وغازي القصيبي، ومظفر النواب، ومحمود درويش، ونزار قباني، وإبراهيم الوافي، وأحمد مطر، ويوسف الديك، وتركي عامر، وإبراهيم طيار، وعبدالله السفياني، وسعود الصاعدي.
– الوصول إلى نتيجة، من ضمن النتائج الأخرى المُتوصّل إليها في نهاية هذا المبحث، مفادها أنَّ توظيف المصطلح النحوي في الشعر القديم غلب عليه التكلّف.
3- المبحث الثالث: التوازي في كتب الأمثال العربية، وفيه:
– تعريف التوازي، والمماثلة، والموازنة.
– التوازي شعرًا ونثرًا في الثقافة العربية القديمة.
– وظيفة التوازي.
– صور ومظاهر التوازي.
– دراسة كتاب “مجمع الأمثال” للميداني، ومعرفة أنساق التوازي به، من خلال استكشاف: التوازي الصوتي، والتوازي الصرفي، والتوازي النحوي.
4- المبحث الرابع: تداخل الأجناس الأدبية، وفيه:
– تطورات نظرية الأجناس الأدبية.
– التداخل والتلاقح بين الفنون.
– تطبيق نظرية تداخل الأجناس الأدبية، وبيان التعالق مع الفنون الأدبية الأخرى، في نص رواية “الحديقة السرية” لمحمد القيسي.
ثالثًا/ مقتطفات من الكتاب:
أ- ذكرت المؤلفة أن مصطلح الانزياح ظهر في الغرب، ونال الاهتمام الأدبي والنقدي في مختلف المدارس النقدية هناك.
لكنها لم تُغفل الحديث عن جهود البلاغيّين العرب القدامى في مباحث البلاغة المختلفة، والتي من خلالها يُلتمس وجود لمحات واعية بمفهوم الانزياح رغم عدم انتظامه في نظرية منهجية واضحة لديهم.
إنّنا نلحظ أنَّ كثيرًا من النقّاد يعمل جاهدًا على استكشاف الومضات التراثية العربية المشابهة لكثير من المصطلحات والمذاهب النقدية الغربية الوافدة إلى أدبنا، في محاولات مشكورةٍ لمدِّ الجذور التاريخية مع هويّتنا وثقافتنا الأدبية، والالتصاق بها.
ب- ذكرت المؤلفة أنّ رأي الناقد الحصيف الخبير في مفهوم الانزياح قد يُتَّخَذُ معيارًا في استكشاف الانزياح داخل النصِّ الأدبي، دون الاعتماد عليه وحده.
وهذا رأي عقلانيّ صحيح؛ إذ إنَّ أهل الصنعة المحترفين الخبراء في كلّ مجال هم المرجع في صنعتهم، وإليهم ينتهي القول الفصل فيها، بشرط عدم الاكتفاء برأي خبير واحد منهم.
ج- ذُكِرَ أنَّ استخدام المصطلح النحويِّ في القصيدة وجه من وجوه استدعاء الموروث القديم، واتصاله بهوية الأمة، ويكشف كذلك عن ثقافة الشاعر، من ناحية أخرى.
إنَّ استدعاء الموروث – بشكل عام – وتوظيفه التوظيف الذكيّ في القصيدة يمنحه أفقًا إبداعيًّا جديدًا، ويهبه رونقًا من الأصالة والتفرّد، حسب وجهة نظري القاصرة. علمًا بأنّ استدعاء التراث واستيعابه وتوظيفه شعريًّا صار سمة جماليّة من سمات الشعر العربي المعاصر.
د- فُسِّرَ مصطلح التوازي على أنه يستوعب كلّ أشكال التقابل والتماثل في البناء اللغويِّ للنصِّ الأدبيِّ، وبذلك يصبح مظهرًا من مظاهر الإيقاع، مِمَّا يعطي الموسيقى الداخلية أثرًا داخل النصّ.
وأقول إنَّ هذه الموسيقى الداخلية لها صوتها وصداها في القصيدة الشعرية، ويمكن الإمساك بها وتلمّسها، أمَّا في النثر فإنها تصبح محسوسة غير ملموسة، وصعبة القياس، ولكن يمكن الإشارة إلى أنَّ الشعور والإحساس بها يبقى مسألة ذوقية انطباعيّة، كما يحتجُّ بذلك كُتَّابُ ومنظِّرو قصيدة النثر خاصة.
هـ- أشارت المؤلفة إلى التداخل بين مختلف الفنون الأدبية داخل النصِّ الأدبيِّ، مِمَّا يحقّق له الثراء الفنيّ.
وهذا بدوره يقودنا إلى المسألة المعروفة بكسر الحدود بين الأجناس الأدبية في النصِّ الأدبيِّ الحديثِ، أو ما يُسمَّى لدى بعض النقّاد بــ”التداخل الأجناسي”؛ وذلك من خلال الاستفادة من سمات وخصائص جنسٍ أدبيٍّ معيّنٍ، وتوظيفه في نصٍّ لا يُصنّف من جنسه، وأوضح مثال على هذا ما نلحظه من التداخل بين الشعر والسرد عن طريق الاستفادة من اللغة الشعرية وأساليبها الجماليّة وتوظيفها في السرد الروائيِّ. لكن يُشترط توفّر الذكاء لدى الكاتب في استخدام هذا التداخل استخدامًا فنيًّا إبداعيًّا.
والتداخل الأجناسي – في الحقيقة – أصبح غير مستنكر في الأدب الحديث، وله نماذج وشواهد كثيرة، لا يتّسع المقام لذكرها.
تجدر الإشارة إلى أنَّ الناقد الإيطالي بينيديتو كروتشيه (١٨٦٦م – ١٩٥٦م) كان رافضًا للأجناس الأدبية وتصنيفاتها، قائلًا بضرورة تجاوزها، ومعلنًا عن عصرٍ جديدٍ لا يتقيّد بأيّ تحديد لجنسٍ أدبيٍّ ما.
رابعًا/ قفلة:
إنَّ كتاب: «فضاءات النص (مقاربات نقدية في شعرية النص الأدبي)»، يحتاج إلى حضورٍ ذهنيٍّ أثناء قراءته، لالتقاط درره بفهمٍ ووعيٍ، ويستحقّ الإضافة إلى قائمة الكتب النقدية المهمة في بابها.

كاتب وشاعر سعودي*

https://fargad.sa/?p=12606

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التشظي في شعر بشرى البستاني جدل الذات والعالم.pdf

التشظي في شعر بشرى البستاني جدل الذات والعالم.pdf دراسة نقدية