الخميس، 11 يونيو 2020

كتابة اليوميات في الإعلام الجديد


 Why Keeping a Diary is Essential in a Personal Injury Lawsuit



اليومياتdiary  نمط من أنماط كتابة الذات، تعرف بأنها:" سجلٌ للتجربة اليومية، والحفاظ على عملية حياة المرء بالذات، دون نظر إلى التطور الذي يحاكي نموذجا معينا، أو التواصل القصصي، أو الحركة الدرامية نحو ذروة ما."[1] ففن اليوميات شكل من أشكال السيرة الذاتية كالمذكرات، ومع بساطة هذا الفن في مفهومه القائم على سرد لأحداث اليوم، فإن العثور على مفهوم دقيق له متعذر، لانفتاحه على الأجناس، وصعوبة تأطيره بمفهوم ثابت، إنه" جنس بلاقواعد ولاحدود، يكاد لايميزه إلا كونه كتابة يومية... فهي كتابة فورية مباشرة قد تكون سردا، وقد تكون خطابا تحليليا تغلب عليه التجزئة والتقطع فتكاد تضارع الكتابة التلغرافية في قصرها وتشذرها."[2] ولم تحظ اليوميات باهتمام بالغ في الأدب العربي ككتابة السيرة الذاتية، ومعظم ممارستها تأتي متداخلة مع أجناس أخرى، حيث" عمدت كثير من النصوص التخييلية الروائية العربية إلى توظيف اليوميات في صلب النص السردي"[3]، ومن نماذج اليوميات في أدبنا العربي " يوميات نائب في الأرياف" لتوفيق الحكيم، و" ويوميات أبي القاسم الشابي" التي طبعت بعنوان أجناسي مخالف لطبيعتها هو مذكرات. و يوميات خليل مردم بك. ويوميات نازك الملائكة.
        اختلفت صورة هذا الفن في مفهومه وغاياته وحضوره في عصر الانفجار المعرفي، فغياب اليوميات في النشر الورقي، وقلة الحفاوة بها إبداعيا ونقديا، أعقبه حضورا مكثفا عبر الوسيط الإلكتروني فقد حظيت اليوميات برواج كبير ولافت في الإعلام الجديد من خلال التطبيقات والبرامج ومواقع التواصل الاجتماعي التي تحولت إلى وسائل نشر استقطبت الكتاب لتدوين يومياتهم وتدوالها، وإن كانت المقالة ترعرعت في أحضان الصحافة، يمكننا القول إن اليوميات نمت وازدهرت في أحضان التقنية الحديثة، فالكاتب يدون نصّا موجزا مذيلا بزمان ومكان حدوثه، وواصفا شعوره وموقفه في التجربة التي مر بها في يومه، وهذه ركائز أساسية في كتابة اليوميات لم تنته في الإعلام الجديد، بيد أن اختلاف الوسيط أضفى عليها أساليب متنوعة، ومنحها أفكارا جديدة، أوجزها في هذه الملامح:
 - غياب الميثاق مع القارئ:  فصورة اليوميات في الإعلام الجديد بوصفها جنسا أدبيا غير واضحة وظاهرة للمتلقي، فكاتبها لا يعقد ميثاقا مع القارئ يوضح له هوية مايكتبه، وينص على علامة أجناسية تصف كتابته بأنها يومية، لكن المتأمل في التدوينات والمنشورات يطمئن إلى وصفها بيومية استنادا على بروز سماتها وتجليها فيها.
- خرق الخصوصية :توصف اليوميات، بأنها " كتابة حميمة" أو"خاصة" فهذا الوصف يعني السرية، وأن اليوميات محفوظة لدى كاتبها لايطلع عليها سواه، وقد زالت هذه الخصوصية عندما نشر الكتاب يومياتهم، فلم يعد لهذا الوصف دلالته في مفهومها. وامّحاء هذه السمة بالنشر الورقي، بقي محدودا لقلة الإبداعات المنشورة، وأعقبه انفتاحا كبيرا في الإعلام الجديد، فصارت اليوميات كتابة عامة كأي جنس من أجناس الأدب، لا يحافظ فيها الكاتب على الخصوصية، واخترقها بنشر لحظاته  وتفاصيل يومه والتواصل مع الآخرين تواصلا فوريا.
-  الاستقلال: يوصف أسلوب كتابة اليوميات بأنه منتظم"يوما بيوم" فالانتظام لايعني أنها سلسلة متعاقبة يومية لأن" الكتابة اليومية قد تتخللها تقطعات، وقد يشهد تدوين الأحداث المعيشة إرجاء لبعض الأيام، فضلا عن أن التدوين اليومي لايمنع العودة إلى الماضي واستذكار بعض الأحداث البعيدة في الزمن"[4] فاليوميات تتضمن تمفصلات، وقد يكون التدوين متسلسلا يوما بيوم أو متقطعا. وفيليب لوجون يتخلى عن شرط الانتظام اليومي في الكتابة، لمصلحة التأريخ المضبوط، فيقول "ضع التاريخ وقل ما تشاء."[5]  وتمتاز اليوميات في الإعلام الجديد بسمة الاستقلال، بحيث يمكن تلقيها منجّمة، لاترتبط بما قبلها، ولا تكمل مابعدها. فالكاتب يسجل تجربته اليومية، ولايكملها كمشروع أدبي متنام، كما يفعل كتاب اليوميات المنشورة في إخراج عملهم، وتتحول في الإعلام الجديد إلى نصوص مستقلة رهينة اللحظة والشعور الذي ولّدها، وهذا لايقف حائلا في التلقي والدرس فكمال الرياحي المهتم بأدب اليوميات يرى أن اليوميات سلسلة من حلقات متراكمة، " ولكن الحلقة الواحدة من السلسلة بوجهها الانفتاحي على ما قبلها وما بعدها يجعلها مكتفية بذاتها، فيومية واحدة قد تغني عن بقية اليوميات، إذ ليس بالضرورة أن تقرأ ما قبلها وما بعدها لتحكم على النص أجناسيا أنه يومية وتتناوله بالدرس بصفته وثيقة تأخذ أهميتها من متنها، بالطريقة نفسها التي يؤخذ بها المخطوط الكامل"[6] وهذه الرؤية تفيد في تلقي اليوميات ودراستها بوصفها سلسلة ذات حلقات كل حلقة بنية سردية مكتفية بذاتها وصالحة للدراسة مستقلة أو ضمن بنية السلسة التي تنضوي تحتها، وهو مايتلاءم مع اليوميات في الإعلام الجديد.
- يأتي الحدث في سياق الخبر والتبليغ عن التجربة اليومية التي تجري ، وتساهم تقنية الوسوم في  موقع تويتر برصد مجريات وتفاصيل الحدث، فبعضهم يفتتح وسما خاصا لنشاط أدبي زاوله، سواء أكان حضورا أم مشاركة، وينشط هذا الوسم وقد يسهم معه غيره في الكتابة حول هذا الحدث، مما يعطي للمتلقي فكرة وانطباعا عمّا حدث هذا اليوم. كما أن بعض الوسوم نحو #يحدث_الآن  و #حالتك_الآن وغيرها مما تستقطب الأقلام لتدوين تفاصيل يومهم التي تجري.

- الزمان: إن أهم سمة جوهرية في اليوميات هي التوثيق الزمني باليوم والشهر والعام وهذه يتيحها موقع تويتر مع عناية بالساعة والدقيقة لزمن التغريدة، مما يعفي كاتبها مهمة الإشارة الزمنية لتجربته التي أنجزها، وفي تويتر تستقطب الوسوم الكتابة الفورية عن مجريات اليوم، اتكاء على الزمن، فأيام الأسبوع لها رصيد من التجارب اليومية كيوم الخميس الذي يفعّل أسبوعيا للتعبير عن استقبال الإجازة الأسبوعية، فيتضمن المحتوى وصفا للحالة، ولما يقوم به الكاتب، ويوم الجمعة ويتضمن محتوى روحانيا ووعظيا، وللكاتب خالد الباتلي فكرة استحداث وسم يوم الثلاثاء، ومع غلبة الرؤية التشاؤمية لدى المدونين في التعبير عن هذا اليوم فإنه استطاع كسر هذه الخرافة، وإحلال طاقة إيجابية في هذا الوسم، للتعبير عن العواطف، والتغني بالحب، وبث لواعج الشوق والحنين، وينشط هذا الوسم بقلمه، وأقلام غيره الذين احتفوابالفكرة وتفاعلوا معها.كما أن لحظات الصباح والمساء وقهوة السابعة من الأوقات الأثيرة في تدوين مجريات اليوم، وهناك حسابات متخصصة لها أو وسوم تهتم برصد هذه اللحظات.مع التنبيه على الخداع أوالتضليل الذي قد نواجهه في قراءة تغريدات لايمثل محتواها رصدا للحالة الزمنية، ففوضى التدوين من الإشكالات التي قد تشوّش وتغيّب حضور اليوميات.
- المكان: تتداخل اليوميات مع أدب الرحلات، إذ تتضمن تسجيلا لتجربة السفر، ولكونها فورية وقصيرة المحتوى فإنها أقرب لرصد حالة يومية أكثر من كونها تسجيلا لمجريات الرحلة، فهناك محتوى كثير لوصف الأمكنة مصحوبا بالصورة، وتوثيقا لتاريخ زيارتها، واستعراضا لمكونات المكان وتفاصيله وحكايته، وخلاصة التجربة التي قضاها الكاتب فيه، ومصاحبة الصورة باتت ركيزة أساسية في النص الإلكتروني.
- تتفاوت التطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي في الاستخدام والشيوع لهذا الفن فتطبيق السنابشات يبدو الأنسب في تقنيته لفن اليوميات، إذ هو تطبيق يركز على تدوين اللحظة وتوثيقها بالصوت والصورة واللغة، فالمستخدم ينشر محتوى يعبر فيه عن حالته الآن ومجريات يومه ومايقوم به من نشاط، ويتواصل مع الآخرين بنقل تجربته اليومية لهم، كما يتيح هذا التطبيق سمة الانتظام بحيث يرتب سلسلة من اللقطات جرت في اليوم، تتابع زمنيا، مع حضور المكان ومشاهدته عيانا دون عبء الوصف، ويأتي التعليق مصاحبا لهذه المؤثرات، وقد يكون صوتيا، أو من خلال ملفوظات لسانية، فتتداخل أنساق التلقي عبر المقروء والمسموع والمرئي  مما يعني بذل القارئ نشاطا قرائيا كبيرا في التفاعل مع المحتوى،  وقد يمتد هذا التفاعل إلى حوار كتابي يسهم في إثراء التجربة اليومية وتحسين طرائق الأداء. بيد أن توظيف هذا التطبيق  ضعيف في تقديم محتوى عربي صالح لبناء مدونة للدراسة لغلبة العامية عليه. وهو تطبيق يمكن استثماره من قبل المبدعين والأدباء، لكنه لم يحظ باهتمامهم إذ راج للعامة ولتوثيق حياتهم الاجتماعية باللهجة المحكية.

        النتيجة التي نستخلصها هي تأثير التقنية الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي في تنمية الكتابة حول الذات، فراجت التدوينات حول اللحظات اليومية بصورة حية تختصر المسافات
وتوثق العلاقة بين القارئ والكاتب.






[1] عبدالعزيز شرف، أدب السيرة الذاتية،مكتبة لبنان، الشركة المصرية العالمية للنشر، 1992م، ص44.
[2] محمد القاضي وآخرون، معجم السرديات، دار محمد علي للنشر، تونس، ط1، 2010م، ص 483.
[3] معجم السرديات، ص484
[4] السابق، ص483.
[5] محمد طيفوري تدوين اليوميات أدب أصيل امتهنته الأقنية الحديثة، مقال منشور في الاقتصادية
 10/01/2019

[6] كمال الرياحي، تلقي في اليوميات، ثقافات، سبتمير29/2017م.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التشظي في شعر بشرى البستاني جدل الذات والعالم.pdf

التشظي في شعر بشرى البستاني جدل الذات والعالم.pdf دراسة نقدية